كتب / ميشيل كلاغاصي…
في الحديث عما دعي ب ” عقيدة أوباما ” يدفعنا الفضول للسؤال هل اعتمد الرئيس أوباما على موروثه السياسي كمواطن أمريكي , واستفاد من”عقائد” من سبقوه , فمن المعروف عن سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة إعتمادها البراغماتية والخداع و التناقض في مواقفها المعلنة وغير المعلنة , فعلى سبيل المثال ما حدث في نهاية عام 1916 عندما فاز الرئيس وودرو ويلسون في الإنتخابات بعدما رفع شعار ” حافظوا على إبقاء أمريكا خارج الحرب ” .. شن حربه على ألمانيا بعد 6 أشهر في نيسان 1917 … وفي الشأن السوري يمكننا مراجعة عشرات المواقف المتناقضة لوزير الخارجية جون كيري وأغلب مسؤولييهم حتى أوباما نفسه , ففي معرض الحديث عن مواقفهم من رحيل و بقاء و مصير الرئيس الأسد, فقد أتحفتنا تصريحات المسؤولين الأمريكيين بعشرات المواقف المتشنجة إلى متوسطة الحدة إلى الداعمة و الراضخة وصولا ً إلى المقنعة بضرورة بقاءه , وارتباطها بمدى ً سريع لزوال مفعولها …!!
صحيح أن الحرب في سورية لم تنتهي بعد بكافة أشكالها , لكن المعركة بوحهها العسكري حُسمت بشكل كبير , مع صمود و صلابة الجيش الوطني و كافة القوات الشعبية الرديفة , والحضور البارز لكل حلفائها, فعلى ماذا سيراهن الغرب المتعثر بفشله , وسط تفاقم المشاكل الدولية والإقليمية والداخلية لكل منهم ؟, مع عدم قدرتهم على الحد من تصاعد الأعمال الإرهابية التي تضرب و تهدد أغلب الدول المشاركة و الداعمة للإرهاب في سورية.
فالصمود السوري أربك أصحاب الأحلام الوردية الذين تجرؤوا على غزوها و شن الحرب الدولية عليها و من خلال استغلال أزمتها الداخلية المفتعلة والمبالغ فيها .. بالإضافة إلى فشل الأوربيون في تحقيق مجمل أهدافهم , والإرتداد الإرهابي المتكررعلى مدنهم وشعوبهم ومصالحهم , وتصاعد الخلافات حول إيجاد الحلول الحقيقية لمحاربة الإرهاب والوقوف مع من يحاربه فعليا ً..
ففي أغلب الدول الأوروبية تحسنت فرص و ظروف عودة اليمين المتطرف إلى السلطة , وفي غالبيتها أحزاب ٌ لا تؤمن بضرورة بقاء الإتحاد الأوروبي , كأحزاب اليمين في كل من بريطانيا و ألمانيا و التي ترى بلادها تمتلك من القوة السياسية والإقتصادية ما يضعها في موضع غير المستفيد من بقائها فيه, بقدر ما تتضرر من وجود الدول الفقيرة في حساب المديونية والعجز الإقتصادي كقبرص واليونان ,هذا من جهة .. كذلك ما تعتبره تصحيح أخطاء انتشار” الإسلام” على أراضيها , بعدما أنتجت و استخلصت نسخا ً إرهابية تكفيرية روعت العالم , وأرادت من ورائها تحميله المسؤولية , و دفعت بخطط تفريغ دولها منهم و لو على حساب سفك دماء السوريين و العراقيين و اليمنيين وغيرهم , لكن الخداع و الإنتقام الأردوغاني بعد أن خذله المجتمع الأوروبي أعاد إليهم جزءا ً من بضاعتهم ..
فيما يقبع أردوغان وسط مشاكل لا حصر لها على المستوى الداخلي ومخاوفه من قيام الكيان الكردي الجديد , وسط استجدائه لقاء أوباما وتراجعه عن المنطقة العازلة وحديثه عن وحدة الأراضي السورية , وتراجع الإقتصاد التركي تحت وطأة الإنتقام والعقوبات الروسية .. و في الوقت الذي تتحدث بعض الصحف الأمريكية عن إنقلاب ٍ محتمل في تركيا , وعن تضخم حجم أردوغان و ضرورة عودته إلى حجمه الطبيعي , يبدو أن براغماتية الإدارة الأمريكية وإعتمادها مبدأ تحقيق التوازن بين التكلفة والنتائج دفعها لترى أن أردوغان أصبح مكلفا ًجدا ً لحلفائه ..
و في الوقت الذي يرى الإسرائيليون بحسب صحيفة معاريف أن ” الأسد تحول من مشكلة إلى حل ” , وتتسائل بعض الصحف الأوروبية عبر عناوينها ” من هو الذي في مأزق الأسد أم أردوغان ” و ” قنبلة اللاجئين ستنفجر وجه أردوغان ” … تروّج الصحف السعودية و الإسرائيلية ( صحيفة الحياة السعودية ) لتوافق روسي – أمريكي على رحيل الأسد لما تتناقله الصحف عن تسريبات أمريكية المصدر, الأمر الذي نفته المتحدثة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا , واعتبره الوزير جون كيري أنها ” معلومات مغلوطة ” , أما الوزير لافروف فقد إعتبرها تسريبات “قذرة”, فيما أكد ميخائيل بوغدانوف أن ” موسكو تؤكد دعمها اقتراح الرئيس السوري تشكيل حكومة وحدة وطنية و تمسكها بالاتفاقات التي تم التوصل إليها في إطار مجموعة دعم سوريا الدولية وبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″.. في الوقت الذي تدرك فيه روسيا أن من يسيطر على البحر المتوسط يسيطر على العالم .. وأن تخلي الروس عن الرئيس الأسد يعني تخلي روسيا عن البحر الأبيض المتوسط بعدما فقدت تواجدها في مصر – أنور السادات – , و في ليبيا بعد مقتل العقيد القذافي.
أما دمشق فتشهد زحفا ً لوفود مختلفة.. إذ لوحظ تصدّر عناوين بعض الصحف الفرنسية بعد لقاء الرئيس الأسد الوفد الفرنسي الأخير الذي زار دمشق عنوان ” تحية للرئيس الأسد”.
فيما السعودية تستمر في غرقها في عدوانها على اليمن و سورية و العراق و اليمن , و تغرق بحصيلة أخطائها وسوء استعمالها سلاح خفض أسعار النفط الأمر الذي انعكس سلبا ً على روسيا و إيران و أمريكا ذاتها , وسط إنكشاف حقيقتها ووجهها الإرهابي القبيح , والتي تعاني من ترقب إنقلابا ً ينتصر فيه أحد جيوش أمرائها الطامعين في السلطة .
كان لا بد لكل الفاشلين و المهزومين في الحرب على سورية أن يقنعوا شعوبهم بعدم فشلهم , وعدم مسؤوليتهم عن إرتداد الإرهاب والعجز الإقتصادي لأغلب دولهم , أن يجدوا من يلقون اللوم عليه و يحملونه النتائج , و بنفس الوقت يقدمونها نجاحا ً لشعوبهم و مبررا ً لسياساتهم المدمرة ,بديلا ً للبحث عن الحلول الحقيقية والتكاتف و التحالف مع الدولة السورية و مع كل من يسعى صادقا ً لوقف آلام الشعب السوري .. لقد وجدوا ضالتهم في تبرير كل هزائمهم وأخطائهم في رحيل الرئيس الأسد, و فرصة ً لتقديم رحيله لشعوبهم على أنه نصر ٌ كبير.
و من دون شك سيراهنون على عدم إعطاء سورية و الرئيس الأسد فرصة إعلان الانتصار, وهذا ما يدفعهم للتركيز على رحيله فقط.. لكن و مع صمود سورية و انتصارها في الميدان ,وصدور قرارات دولية تعترف بأحقية الشعب السوري في تقرير مصير الرئيس حصريا ً.. وبمدد زمنية لا تتجاوز 18 شهرا ً, فبدأ الحديث عن مفهوم “الانتقال السياسي” و “حكومة انتقالية” من خلال تزوير فاضح لكافة مضامين القرارات الدولية , وفي تفسير ما تعنيه هذه المفاهيم , و قد كان الرئيس واضحا ً في قوله “الانتقال هو من دستور إلى دستور جديد, و الدستور هو الذي يعبر عن شكل النظام السياسي المطلوب في المرحلة المقبلة “.
إن إنعكاس شبق فريق الخاسرين و العملاء و الخونة في الفوز سياسيا ً عمّا عجزوا عنه في الميدان , و يعتقدون أن مشاركة الدولة السورية في محادثات و لقاءات و لاحقا ً مؤتمر جنيف ستكون مناسبة ً لتسليم السلطة وتاريخ و حضارة و وجود و مستقبل سورية لمن حاول العبث بها متجاهلين رأي الشارع السوري والتضحيات الكبيرة التي قدمها شهداء الوطن و جيشه الباسل في ظل القيادة الحكيمة للرئيس الأسد في الذود عن سورية و الحفاظ على وحدة أرضها و سلامتها و انتصارها .
يبدو أن الصراع في المرحلة القادمة سيتحول إلى الصراع على كل ورقة وصوت في صناديق الإنتخابات وعلى مستوى كل الاستحقاقات الوطنية .. و يرى السوريون فيها الفرصة المناسبة لرد الدين لروح الشهداء و للجيش البطل و للقائد الرمز الذي قاد المعركة بكل شجاعة و إقتدار .. و أنه يتوجب عليهم ملئ كل الساحات و التصويت على الدستور الجديد و كل الإستحقاقات القادمة حتى الرئاسية منها في موعدها أو في موعد مبكر والذي حظي بموافقة الرئيس الأسد بعكس ما يتوقعون .
إن رضوخ الغزاة والطغاة و ما يسمى ” المجتمع الدولي ” للقبول بنتائج صناديق الإنتخابات يجعل منها مناسبة للتحدي , والسوريون يقبلونه و يعتبرونها فرصة ً لمن لم يحمل السلاح ليحمل صوته كسلاح للدفاع عن سورية في شخص رمزها و قائدها .. و أن لديهم من الشوق والرغبة لتحويل شعارهم المحبب ” الله, و سورية, و بشار ” إلى “صلاة وطنية”, و عرس انتصار حقيقي.. و لن يرضوا للشام عريسا ً سوى الرئيس بشار الأسد , ويؤكدون إعتباره خطهم الأحمر.
فيما يرى أعداء سورية أن خسارتهم العسكرية , أجبرتهم على الموافقة على وقف الأعمال القتالية أو الهدنة , و لم يعد بإمكانهم المتابعة سوى عن طريق المحافظة على مناطق سيطرتهم و إدارة توحشهم وانتظار أوامر مشغليهم , وملئ صناديق الإقتراع بما يتوافق مع شراء الذمم و الضمائر تحت عنوان السلمية والديمقراطية ..لذلك نرى إصرار الدولة على السير قدما ً في المصالحات الوطنية و استعادة مواطنيها و حمايتهم من تهديد و إبتزاز الإرهابيين لهم في حياتهم ومصيرهم وفي تقرير مستقبل وطنهم.