السيسي من الأخونة إلى الوهابية عبر جسر سلمان

 

 

قلم-وورقة (1)

كتب / ميشيل كلاغاصي…

صدّق أو لا تصدق فالرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل ملك الإرهاب و قاتل السوريين والعراقيين واليمنيين , ووقعا معا ً إتفاقية “كامب اّل سعود” الجديدة – القديمة , والتي خجل منها يوما ًو رفضها سيئ الذكر سلفه حسني مبارك , و لم تسعف أيام مرسي الإخونجي الثلاثمائة والخمسة والستون في توقيعها , لقد صادق على ربط جمهورية مصر العربية و أم الدنيا بحل سري و جسر ٍ بري سيحمل ” التمر والزيتون” جيئة و ذهابا ً و في كلا الإتجاهين , وانتهى بحثه المضني عن التضامن العربي بعد أن وجده في الحضن الوهابي التكفيري الإرهابي .. و لم ير أن مسقط رأس الإرهاب ومصانعه و مؤانىء تصديره , يتفكل بها ضيفه ” الكبير “.

 

كان من الوقاحة بمكان أن يستقبل مجرما ً لا تزال دماء السوريين و العراقيين و اليمنيين تلطخ يديه, فيما تسحق دباباته أهل البحرين, و رسائل إرهابه تصل الجزائر و تونس و ليبيا و الأردن والمسكينة فلسطين.. واستبق الزيارة بقرار ٍ سياسي لإغلاق قناة المنار المقاومة , الأمر الذي يدفعنا في التفكير جديا ً حول موقفه من حزب الله و تصنيفه وهابيا ً ب “الإرهابي”, لقد تجاهل السيسي خطر الإرهاب على مصر و الذي يضرب في سيناء وتلك النيران المحيطة والمشتعلة حوله و في الوطن العربي وفي المنطقة والعالم كله , يبدو الرئيس المصري قد فضل الخنوع لملك الإرهاب ” العربي ” و في إتقاء شره , و بإستغلاله فرصة ٍ جيدة للحصول على ثمن ٍ مغر ٍ و مال ٍ وفير , ووجد المدخل نحو الأمن الوطني المصري – المفقود – عبر ضمان أمنه المائي في حدوده البحرية ومياهه المالحة فقط , وتجاهل أمن بلاده في المياه النهرية العذبة , وعوّل على رجاحة عقل الأثيوبيين و أمانتهم في إقتسام مياه نهر النيل بحسب الإتفاقيات الموقعة !, و أن قضية سد النهضة لا ترقى إلى حد إعتبارها تشكل تهديدا ً لأمنه المائي ! .

لقد تنازل السيسى عن أراض ٍ عربية و حقوق مصرية وعن مصادر اقتصادية وإستراتيجية، هي من حق الأجيال القادمة،لأجل مكاسب سياسية ضيقة و مصالح “مشبوهة” وأقله غامضة !, ولو استطاع أن يتنازل عن البحر الأحمر لفعل !, و بمقابل 2 مليار دولار سنويا ً فقط ؟.

 

من المؤكد أن علاقة بلاد الحجاز بأم الدنيا ليست وليدة اللحظة , وهي قديمة في عمر التاريخ , وشهدت خلال العقود العشر الأخيرة تطورا ً كبيرا ً في العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية أو حتى العسكرية , كما شهدت تقلبات عديدة ولم تكن تسير وفق معادلة مستقيم و بخط بياني ثابت… لقد حكمتها المصالح المتبادلة بعيدا ًعن علاقات “الأشقاء” في مد ٍ وجذر وصل لحد العداء المباشر أحيانا ً, ولم تكن مسائل الأمن القومي أو الصراع العربي – الصهيوني يوما ً على أجندة الطرفين, اللذين تبارا على إضعاف الأمة العربية,و فكفكة عرى الأخوة و الإنتماء القومي فكان الأول فرعونيا ً بإمتياز , فيما حل الثاني محل الشيطان ؟ وأبقيا على عنوان الإسلام و العرب والعروبة شماعة ً لإخفاء”العورات”, لذلك اقتصرت حقيقة العلاقة بينهما على الفائدة والعلاقات الاقتصادية التي يحكمها ميزان الربح والخسارة , واشتركا في السعي لإرضاء أعداء العرب و مغتصبي حقوقهم و أراضيهم و كرامتهم.

 

إن تنازل مصر عن أراض ٍ تملكها أو تحتلها أو تسيطر عليها – سمها ما شئت – لم يبدأ بجزيرتي تيران و صنافيرة , فقد سبق لمصر أن تخلت و تنازلت عن أرض السودان , و تنازلت عن سيادتها الظاهرية على أراضي سيناء للعدو الإسرائيلي , كما تنازلت عن حقوقها من الغاز في أحواض البحر المتوسط لصالح الدولة القبرصية , و تنازلت عمليا ً عن سيادتها الظاهرية عن معبر رفح مع غزة تلبية ً لمصالح العدو الإسرائيلي ..

وتعد قضية ترسيم الحدود المائية بين مصر والمملكة من أبرز القضايا العالقة بين مصر والمملكة , و يأتي تنازل مصر عن الجزيرتين تنازلا ًعن حقوقها المرتبطة بالأمن القومي المصري ،على الرغم من قيمتهما الإستراتيجية والطبيعية، ليضع إشارات الغموض والإستفهام و يفسر استمرار الدعم الاقتصادي المستمر لمصر من قبل المملكة، على الرغم من التباين الشديد بينهما فيما يتعلق بالأمن القومي العربي والخليجي , تحت عنوان خروج مصر من مأزقها الاقتصادي الكبير , الأمر الذي يعتبر خديعة كبرى للشعب المصري أولا ً و العربي ثانيا ً.. وهنا يطرح السؤال نفسه : هل ستبيع مصر يوما ً القاهرة و الإسكندرية و الفيوم لسد ضائقة أو جوع ٍ أو بحثا ً عن الترف و الرفاه ؟.

 

ويعتبر التنازل عن هذه الجزر – بعد اتفاقية الجسر البري – من أهم أسباب زيارة الملك سلمان الحالية لمصر وسط الحديث عن 24 اتفاقية مختلفة و متنوعة بينهما.. فلموقع هاتين الجزيرتين غير المأهولتين أهمية خاصة, بالإضافة لما تحتوياه من نفط ٍ و ثروات مائية و سمكية وتصلح لتكون مراكز تموين السفن و….. إلخ , إذ تقعان عند مدخل خليج العقبة بين الجهة المصرية والسعودية، وتشكلا بشكل طبيعي ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة تمنحهما أهمية إستراتيجية، في السيطرة على الملاحة في خليج العقبة.. نعتقد أن تبادل سيطرة أو ملكية هاتين الجزيرتين يأتي في إطار تحويل العداء و الصراع مع العدو الإسرائيلي نحو إيران , و عليه أتت سيطرة مصر يوم كانت تحتل مكانتها في الصراع العربي – الإسرائيلي , ونقلت اليوم القيادة للملكة التي تقود الصراع ” العربي”- الخليجيي ضد إيران و محاصرتها و مجابهتها في خليج العقبة الإستراتيجي, وضد محور المقاومة من فلسطين إلى سورية و العراق وصولا ً لإيران و روسيا .. بالتوازي مع فتح جبهة صراع ٍ ثان ٍ يستهدف كافة دول المحور وعلى جبهة ناغورني كارباخ شمالا ً ..

و من زاوية أخرى نجد أن إقامة هذا الجسر يسهم في الرد على نظرية مشروع ربط البحور الخمسة التي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد, و التي تعزل الكيان الغاصب تماما ً, و تمنعه من الذوبان مع دول و شعوب و مكونات المنطقة.. و لا بد لمتتبعي خرائط مشروع الجسر المزعوم ملاحظة الخدمات الجليلة التي سيقدمها للكيان الغاصب استرتيجيا ً و أمنيا ً و اقتصاديا ً, و بوصفه دون شك شرطي الجسر الواصل بين أوروبا والشمال الإفريقي– العربي للمتوسط عبر الموانىء ” الإسرائيلية ” و العبور البري بإتجاه مصر و جسرها المزعوم .. الأمر الذي سيمنح قناة السويس إجازة ً من نوع خاص , قد يحولها إضطراب ٌ أو حدث ٌ عسكري أو أمني لإجازة ٍ دائمة .

 

يبدو من الخطير أن يصرح السيسي :” إن بناء جسر بري يربط البلدين يمهد الطريق لحل الكثير من أزمات المنطقة العالقة “؟ بالتوازي مع طرح مشروع توطين الفلسطينين في سيناء , ويقدم بلورة ً ” عربية ” لمشروع الأرض الفلسطينية البديلة , عن وطنهم الأم فلسطين الجريحة ؟.

يبدو أن الرئيس السيسي قد وجد الحل لخروج مصر من تحت العباءة السعودية عبر الدعم المالي المباشر ( الشحادة ) , و ذلك عبر تبييض الأموال القذرة كفاتورة إتفاق ٍ تُدفع سنويا ً .. و عليه حل الفرح و السرور الواضح على وجهه , بما يمكنه من إخفاء تبعية نظامه لقرد الصحراء , و دفعه لتكريمه و منحه شهادة الدكتوراه المصرية عالية القيمة , والتي بدت كشهادة عفة ٍ تُقدم لعاهرة موصوفة , أسقط معها قيمة الشهادة و حقّر كل من نالها قبله ومن سينالها بعده ..

و كم كان الشارع العربي الأصيل و المقاوم الشريف يتمنى أن يرى عروبيوا مصر و ناصرييها و كل شرفائها من أبناء الشعب المصري يتظاهرون في ساحات القاهرة تنديدا ً بزيارة هذا المجرم , ولسنا نفهم سبب غياب السوريين في مصر عن تقديم الواجب الذي يستحقه قاتلهم الوهابي .. أعتقد أن منتظر الزيدي لو كان حاضرا ً لقام بالواجب .

لم يعد من المصادفة رؤية الرؤوساء المصريين المتعاقبين يمارسون سياسات لا تليق بمكانة مصر التاريخية , و بشعبها العريق , و يجعلنا نتطلع للشعب المصري العظيم في أرض الكنانة لإعادة الإعتبار لمكانتها العربية وقيمتها التاريخية ..ولم أنسى بوما ً أني كتبت ً في مقال ” لست عبد الناصر..سيدي” بتاريخ 30/7/2013 : ” إذا كان الإخوان يسيرون على السكة الأمريكية .. فلا أعتقد أن السيسي يسير على غيرها “.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.