كتب / أوكيلي أحمد…
ليت قمة منظمة التعاون الإسلامي الملتئمة بإسطنبول لم تنعقد أصلا، لأن القمم في العادة تنعقد لتقريب وجهات نظر البلدان المشاركة فيها، ولرأب التصدعات والإنشقاقات التي قد تطرأ على علاقات بعض البلدان، لكن في حال القمة 13 لمنظمة التعاون الإسلامي، انقلبت الأمور رأسا على عقب، فكان أن سلّمت دولة رئاسة القمة لألد أعدائها، ونعني هنا مصر وتركيا، فحتى من الناحية البروتوكولية، تجسّد العداء في أوج تجلّياته، فلا الرئيس التركي طيب رجب أردوغان الذي تسلّمت بلده رئاسة القمة صافح وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي انتهت رئاسة بلاده لها، ولا الأخير انتظر حتى تتسلم تركيا رسميا رئاسة القمة، بل إنه هرول مغادرا المنصة متعمدا حتى لا يصافح بدوره الرئيس التركي الذي صعد إليها من الركن الآخر المقابل.
هذا المشهد بحدّ ذاته يُلخص حالة المرض المستشري في الأمة الإسلامية التي قرّرت في شهر أوت 1969 تأسيس هذه المنظمة كرد فعل على حرق الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك، للوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي، لكن حتى هذه المهمة التي أنشأت من أجلها هذه المنظمة لم تعد تشكل أولوية في جدول أعمال قادة البلدان الإسلامية، لأنّ العدو التقليدي للمسلمين والعرب، أي إسرائيل، أصبحت اليوم تعيش شهر العسل مع العديد من الدول العربية والإسلامية، وتقيم معها علاقات في العلن، وقادتها يصافحون قادة عرب ومسلمين ويلتقطون معهم الصور التذكارية، فبعض الدول العربية والإسلامية، التي تدور في فلك الهيمنة الصهيوأمريكية، نجحت اليوم وللأسف، في اختلاق أعداء جُدد من داخل الدائرة العربية والإسلامية للتغطية على تقاربها مع العدو الصهيوني، فالعديد من هذه البلدان اتبعت قاعدة “عدوّ عدوّي صديقي” وبما أن إسرائيل تكن العداء الشديد لإيران وحزب الله، فبالضرورة أن تلتقي مع بعض الأنظمة العربية والإسلامية، التي أصبحت ترى في إيران وحزب الله أكبر خطر يهدد أمنها، وما دام أن العلاقات بين بعض الدول في الوطن العربي والإسلامي قد بلغت سقفا غير مسبوق من الخلافات والتناحرات، فإن ذلك كله انعكس على أشغال القمة ال13 لمنظمة التعاون الإسلامي، التي انتهت بتعميق الخلافات أكثر، الأمر الذي يُنذر بعدم التئامها في المستقبل، بل ومن المؤكد أن تركيا لن تنجح كذلك في رئاسة المنظمة ما دام أنها انتقلت من مقولة صفر مشاكل مع بلدان الجوار إلى “صفر علاقات” معها، بل وصفر علاقات مع مصر التي تُعد من أهم الدول في الوطن العربي والإسلامي، وأكثر من ذلك فإن صدور البيان الختامي لهذه القمة والذي يتضمّن 5 بنود ضد إيران وحزب الله في البيان الختامي دون إجماع أو نقاش، دفع بالرئيس الإيراني حسن روحاني إلى مقاطعة الجلسة الختامية، وهذا ما سيُفرز مزيدا من التوترات في العلاقات بينها وبين دول الخليج، وبينها وبين تركيا التي ترأس المنظمة، وهذا ما حاولت الجزائر على لسان السيد عبد القادر بن صالح بصفته ممثلا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التنبيه من مخاطره، فالجزائر ترى في استشراء الخلافات وانتشار الظاهرة الإرهابية أكبر خطر يهدد العالم الإسلامي، فبخصوص ظاهرة الإرهاب أكدت الجزائر بأنها ظاهرة “زادت من تفاقم الأزمات القائمة أصلا في البلدان الإسلامية كسوريا وليبيا واليمن وغيرها”. وأوضحت في هذا الشأن بأن هذه الأوضاع “ضاعفت من معاناة هذه الشعوب وعقدت الحل السياسي المنشود كما أصبحت تمثل ذريعة للتدخل العسكري الأجنبي الذي لن يزيدها إلا سوءا وتعقيدا”، كما رفضت الجزائر أي محاولة ترمي إلى إلصاق وصمة الإرهاب بفضاء جغرافي أو حضاري أو ديني معين، لأن الشعوب الإسلامية كانت ومازالت “الضحية الأولى” لآفة الإرهاب، وبذلك تكون الجزائر قد سَعت إلى تصويب البوصلة، حتى لا تنحرف منظمة التعاون الإسلامي عن السكة، وتنخرط في وصم بعض البلدان الإسلامية وحركات المقاومة بالإرهاب، خدمة للمشروع الصهيوني الغربي، الذي يُراهن منذ عقود من الزمن على إلصاق الإرهاب بالإسلام، وهو مشروع وللأسف تشارك في تنفيذه دول إسلامية، تتوهم بأنها ستبقى بمنأى عن الإتهام ب”الإرهاب”، فالحقيقة المُرّة وللأسف، هي أن المسلمين لم يقتنعوا إلى اليوم بأن تصنيع الصهاينة والغرب للإرهاب، هدفه الأساسي هو تدمير كامل الوطن العربي والإسلامي، ورهن قدراته وتأخير تنميته بما يجعله على الدوام مجرّد تابع لا غير، وبما أن منظمة التعاون الإسلامي، وقبلها الجامعة العربية، قد انساقتا بغباء لتنفيذ هذا المشروع، فلا يُنتظر سوى أن تزداد أزمات الوطن العربي والإسلامي تعقيدا، بالشكل الذي يُسرّع وتيرة الصراعات ومن ثمة الإنهيار المُرتقب.