بقلم/.. فؤاد الوادي
ما بين زمنين متشابهين في الوجه ومختلفين في القناع، يُحلق الشهيد شامخاً وسامقاً في عليائه، وقد استقرت عيناه واطمأنت روحه الزكية على وطن لما يزل يحب ويعشق الشهادة كما يحب ويعشق الحياة، وطن آمن بها طريقا وحيدا للحرية والكرامة والخلاص من كل المستعمرين والغزاة الذين لايزالون يحاولون يائسين بائسين احتلال هذا الوطن وسلبه سيادته وحريته وكرامته بعد تفتيته وتدميره والقضاء على حضارته وتاريخه ومستقبله متجاهلين دروس التاريخ وتجارب الماضي التي لم يتعلموا منها شيئاً، والتي لم تزدهم إلا ذلاً وهواناً وانكساراً.
بين زمنين يفصل بينهما قرن كامل من الزمن، كان متخماً بالمخاضات العسيرة التي لم تنجب لهذه الامة سوى المؤامرات والخيانات والمخططات والمشاريع الاستعمارية التي خلفت بدورها الويلات والكوارث والحروب المدمرة التي حصدت الملايين من الضحايا والأبرياء، يطالعنا الشهيد من مداراته التي رسم وحدد إحداثياتها لوطن عاهد نفسه ألا يدور وألا يحلق إلا في فضاءاتها الواسعة التي صنعت وتصنع صموده وشموخه وانتصاراته.
يطالعنا الشهيد بشموخ المنتصر وتواضع السخي الذي قدم أغلى ما يملك ، يطالعنا بإرادته الصلبة ويقينه الثابت وبوصلته التي لا تحيد عن وجهتها مهما اشتدت رياح الغدر وعواصف الخيانة، يطالعنا بإكسير الأمل وأنشودة الحياة التي نسج حروفها ومفرداتها بدمائه وروحه الطاهرة، والتي ستبقى تسكن أرواحنا وذاكرتنا وجوارحنا التي تستمد حيويتها وقدرتها على البقاء والنهوض والصمود والمواجهة من يقينه المتجذر في عمق الوجدان والضمير الإنساني.
في مئوية الشهيد تمتزج الدماء بالدموع، وتتحد وصايا الشهيد بأحلام وطموحات شعب سيبقى الشهيد يسكن كل زاويا وتفاصيل ذاكرته، ويجتمع الفرح والحزن ويتحد يقين الشهيد ويقين الوطن ليعيد كتابة التاريخ وصناعة المستقبل بلغة الإرادة والتحدي ومواجهة المستحيل، وليؤكد للعالم اجمع أنه الشامخ أبداً بتضحيات أبنائه وعطاءاتهم التي لا تحدها حدود.
في مئوية الفداء والعطاء الذي لا يضاهيه أو يدانيه عطاء، يؤكد الشهيد حضوره في وجدان وعقيدة السوريين رغم كل سنوات الوجع والألم والشهادة التي أضحت أنشودة كل بيت سوري، خاصة وأن الأبواب لا تزال مشرعة على مصراعيها على جميع الاحتمالات والخيارات التي ستكون تداعياتها كارثية ليس على سوريا فحسب بل على المنطقة برمتها، بعد أن عجزت أطراف العدوان على سوريا عن تحقيق أي نصر على الأرض يقلب لها الموازين ويعيد رسم والمتغيرات والقواعد التي ارتسمت في الميدان بصمود السوريين ويقينهم الكبير بأن التضحية والشهادة هما طريقهم الوحيد لتحقيق الانتصار والعزة والكرامة.
في مئوية التضحية والفداء يحضر الشهيد وهو الحاضر الأبدي الذي لم يغب يوماً عن ذاكرة ووجدان السوريين، يحضر ويحمل معه المزيد من عبق الحياة التي يلون تفاصيلها وعناوينها الكبرى بدمائه الزكية التي تفوح منها رائحة وطن لطالما كانت عينه على الشهادة والتضحية ثمناً لعزته وشموخه و كرامته التي تحاول وحوش الأرض وذئابها نهشها وذبحها ليس منذ نحو ست سنوات كما يتخيل البعض، بل منذ أن قرر الشعب السوري رفض الخنوع والركوع والتبعية واسترجاع حريته وأرضه واستقلاله.
- الرئيسية
- عندما ينحني التاريخ والوطن أمام الشهيد