كتب / ميشيل كلاغاصي….
أي عصر هذا .. و أي ليل طويل حالك السواد , شديد الظلمة !
هل سيجرؤ العرب على كتابة تاريخهم الحديث ؟ و ماذا سيكتبون ؟ أم سيتركونها مهمة ً للمستشرقين و الغرباء و المستغربين!؟ , وإلى متى سيستمر تزوير التاريخ, و عملية غسيل أدمغة الأجيال التي عاينت و رأت, وتلك القادمة إلى الحياة ؟ , أسيكتبون عن ربيعهم المزور , وسفكهم الدماء العربية , و تدمير أوطانهم , و توسيع الهوة أكثر فأكثر مع أقرانهم من ساكني الأرض .
أتراهم يَصدقون و يكتبون عن أعداء ٍ خططوا و تفرجوا و هزؤوا , فيما نحن نتصارع و نتقاتل , و يتسابق البعض منا لنيل رضاهم و تقبيل أحذيتهم , و يسأل البعض لماذا نُحارَب ؟ لماذا نُقتل ؟ لماذا يَفرضون علينا قانون الغاب ألا يعلمون أنه القرن الحادي والعشرين ، وليس العصر الحجري ؟ لماذا غدا القوي يأكل الضعيف ، ويفرض هيمنته عليه بالقوة العسكرية ؟ لماذا أصبح المجتمع الدولي ينصر الظالم على المظلوم ؟ ينصر الطغاة والغاصب , المحتل …. هي حرب ٌ على الإنسانية …طمعٌ وجشع، إغتصابٌ و تدمير , قتلٌ وسفك دماء، وزعامة المال و ربوبيته الخفية ، هاهو “ميكافلي” وغايته التي تبرر الوسيلة .. تعيش بيننا. على حساب المظلومين إنسانيةٌ مفقودة .. و مجتمع ٌ دولي يحتاج إعادة تقييم ..!
أسيحدثونا عن ثورات الحرية و الديمقراطية و الكرامة و حقوق الإنسان في نصف الدول العربية و جمهورياته , فيما ينعم النصف الاّخر بطيب العيش والحداثة و التطور الإجتماعي و السياسي في ظل حكم ملوك الجاهلية , و أسياد التطرف و الجهل و الحقد والشرّ ؟ و يعتبرونهم النموذج و المرآة , و العصا و الخنجر , لتغيير النصف الأول .؟.. كم من الكذب و النفاق نحتاج لإقناع أجيالنا القادمة أن ثورات العرب قادها أتراكٌ و شيشانيون و بلغار و أنغوش و بلجيك و ألمان …إلخ بدعم و قيادة ٍ صهيو- أمريكية , بعقيدة أوباما و بفكر هيلاري كلينتون و رايس و هنري ليفي و برجنسكي و كيسنجر و تسبي ليفني و نتنياهو و أردوغان .
أسيصدق عرب المستقبل أن السعودية و قطر أرادا جلب الحرية و الديمقراطية للسوريين و أنهم أرسلوا المال و السلاح و الصواريخ و الفتن و الفتاوي الشيطانية و قاطعي الرؤوس و اّكلي الأكباد لهدف ٍ ” نبيل ” و بفيض محبة الشيطان , يقودهم خزان علومهم و تطورهم و دساتيرهم و سيرهم الذاتية ..!
اكتبوا ما شئتم .. لكن اعترفوا أن الربيع ضل طريقه و أخطأ العنوان , و عليه أن يتابع و يستمر أو فلينتحر كحقير ٍ و كاذب ٍ وابن أبيه مسيلمة.. و احذروا لعنة هيرودت و توكيديوس و ابن خلدون , و اختاروا من عِبَرِهم إن كان ” التاريخ يكرر نفسه ” أو أنه ” لا يعيد نفسه”.
اكتبوا أنكم سفكتم دم السوريين لأجل فلسطين والجولان و كل ذرة تراب ٍ محتلة و مغتصبة.. و قولوا لقد تأخروا في تحريرها , و فضحوا القصة , فوجب قتلهم , فكان لا بد من الإنتقال إلى الخطة البديلة وإلى الدوران في فلك الصهيونية و تقبيل يديها و الدعاء عليها بالكسر … فقد استشهد الاّلاف و فلسطين لم تتحرر , فلما لا نبيعها و نشتري لأولادهم ثيابا ً ليلبسوها في عيد الفطر و الأضحى , و خبز و كعكة الفصح ليأكلوها على قبر المسيح هناك .
هي الحرب القذرة .. التي تبدأ و لا تنتهي , حتى لو إنتهت في الميادين فإنها لا تغادر العقول والقلوب , فهناك من أراد للعالم أن يخرج عن السيطرة .. و يتحول فيه كل فعل ٍ إلى مباح و مطلب و ضرورة .
فالعالم يعيش حالة غليان .. و الأزمة ليست في دول الصفيح الساخن , بل في عقول مصنّعيها من الديمقراطيات الغربية , و في طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية , وغالبية دول الإستعمار القديم الأوروبية والعثمانية التركية..
فالخطر يتهدد الجميع في وقت ٍ تغيب فيه الأمم المتحدة و تنحراف عن مبادئها التي أعلنتها زورا ً .. و تستباح فيه كل القيم والأخلاق الإجتماعية و الدينية ويصبح كل شيءٍ مباح , و يسوده نظام ٌ مصالحي دون أي إعتبار للفارق بين الخير و الشر , إستنادا ً إلى الدين أوالقيم الأخلاقية .
فالحروب المصيرية الساخنة على الدول والشعوب في سورية و ليبيا و العراق و اليمن مستمرة بلا هوادة, فيما يتعرض بعضها الأخر لحروب أقل سخونة و بذات الأخطار…. و لا تزال المهل و فرص الإرهاب تعطى بسخاء لإرهابيون مسلحون أو لمعارضات خائنة ؟.. وعلى مقربة من إكتمال العقد الإرهابي الجديد , تستمر الفوضى و المشاريع الدامية , و يبقى السؤال إلى متى ؟
لن نناقش صراعا ً أزليا ً بين الخير و الشر , إنما نتحدث عن صراع أدوات كل منهما , في ظل إنقسام ٍ واضح وضع فيه نصف العالم نفسه بشكل ٍ أو بآخر في خدمة الأول , فيما وضع نصفه الاّخر في خدمة الثاني …
و يطرح السؤال نفسه .. من سيقف بينهما و يقول كفى؟ هل أصبحنا نبحث عن معتدلين أم حياديين..أم منصفين ؟.
إن صراع الإيدولوجيات و المصالح الجيو- سياسية , ُتفجر ينابيع شرعيتها من طبيعتين الأولى مادية والثانية “إيمانية” , و ما بين الإثنين يحدث التشابك و من تضاد إلى توافق إلى شراكة و شركاء , و هنا تكمن الخطورة.
و يدخل التضليل الإعلامي طرفا ً أسياسيا ً, يفرض ضبابيته على كلا الطرفين , فتضيع الحقيقة وسط الإعلام المسيس و المأجور والشاشات والصفحات الصفراء .. فيما القتل مستمر والفوضى سائدة.
فقد استطاع الغرب أن يحولنا إلى شعوب ٍ تندفع وراء مصالحها, فيما نحفر قبورنا بأيدينا.. فيعلّق البعض أملهم على بعض الدول العربية الحاقدة !, والعدو الإسرائيلي!, أو جامعة الدول العربية , والأمم المتحدة , و منهم من يعيد التفكير بمنظمة دول عدم الإنحياز والعالم الإسلامي , و مجلس التعاون الخليجي …. وغاب عن ذهنهم موقف أولئك الأبطال الذين هبوا للدفاع عن أوطانهم و مصير وحياة شعوبهم.
و لم نر أحد ٌ يعترف بخطأه , و ينسب لأفعاله مصالح شريرة , و لا بد للحكومات العربية أن تسأل نفسها من نحن و إلى أين نحن ذاهبون ؟ و هل سيتحقق العدل في ظل ربح و خسارة العراقيين و اليمنيين و السوريين ؟
ففي ظل استباحة المارد الأمريكي و مشروعه الكبير في السيطرة على العالم , لم يعد من السهولة بمكان التقليل من أهمية طريقة تفكير العقل الأمريكي المهيمن بأمراضه وعقده النفسية الأمريكية , و دوافعها الراسخة في أحلامها و طموحاتها و أهدافها , يقول برجنسكي : ” الإيمان بأهمية القيم والمعتقدات لا تقل أهمية عن الإقتصاد” , وعليه فإن “استباحة كل شيء تجعل العالم خارج نطاق السيطرة” .. فيما يقول الروائي الروسي فيودور دستوفسكي :” إذا لم يكن الله موجودا ً فإن كل شيء عندئذ ٍ يصبح مباحا ً ” .. الأمر الذي يؤكد أن الأول يؤمن بمملكة قيصر و الثاني بمملكة السماء , فيما يحتار ثالث ٌ لعدم فهمه كلام السيد المسيح ” أوف ما لقيصر لقيصر , ما لله لله ” .
فهل أصبحنا أمة ً تائهة و على حافة الهاوية, و لم يعد من أمل ٍ ينقذنا سوى أن ننقل السلاح من كتف المقاومة إلى كتف العمالة .. ونستبدل العدو الإسرائيلي بعدو ٍ إفتراضي آخر.. و أن نتسابق في حاجتنا للإعتراف بإتفاقية كامب ديفيد , ووادي عربة , و إتفاقيات أوسلو , و دولة غزة الكبرى ؟ أكثر من حاجتنا إلى تحرير الأرض و تطوير الذات …أفلم نعد نحتاج التضامن و التكامل العربي والوحدة العربية ؟ واكتفينا بالشرذمة و الضياع و الإقتتال العربي – العربي.. وهل من سبيل لإقناعنا بحاجة سورية و ليبيا و العراق واليمن لدليل ٍ ديمقراطي صحراوي بدوي بدائي , لم يرتق إلى مستوى يستحق أن يطلق عليه اسم شعب , ليكون المُصلح و المُرشد و الدليل نحو الديمقراطية ؟ … فما “أروعنا” من أمة ٍ تذبح بعضها على أبواب الفردوس الصهيوني لحجز بطاقة الدخول !؟.
لن يسمح شرفاء الأمة بضياع فلسطين , ولن يطول زمن إنتصارهم, فقد اختبر الطغاة باس المقاومين و صلابة إيمانهم بالله و بالنصر و بالحرية.