كتب/.. ثريا عاصي
كتب لي صديق يعيش في فرنسا وتسكنه هموم بلادنا وحروبها من فلسطين الى سوريا ولبنان والعراق… وتطول القائمة الى اليمن ومصر والمغرب العربي.. يقول لي:
«يتضح من خلال مواظبتك على معالجة القضية السورية، وتحديداً من خلال المقالات المخصصة لمسألة مدينة حلب، أنك تحاولين تسليط الضوء على تعقيدات الأوضاع في هذه المدينة، نتيجة لتمدد النفوذ التركي إليها، بوجهه العثماني، من جهة ولوجودٍ محتمل جداً، لخطة أميركية ـ إسرائيلية في منطقة الجزيرة السورية ـ العراقية من جهة ثانية.
من المفيد هنا التذكير بأنه صار معلوماً أن الولايات المتحدة الأميركية أنشأت في شمال شرق سوريا جيشاً، تحت اسم قوات سوريا الديمقراطية، غايته المعلنة هي محاربة «داعش»، وإخراجها من مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين.
من المعروف في هذا السياق، ان الولايات المتحدة الأميركية والتابعين لها يعترضون على تحرير هاتين المدينتين الأخيرتين على يد الجيش العربي السوري، مثلما انهم ساعدوا في مدينة حلب، جميع تنظيمات المتمردين المعتدلين والمتطرفين على حد سـواء، على أن يأتلفوا في جبهة واحدة ضد الجيش العربي السوري فأمدوهم بالعديد والعتاد و الخبرات العسكرية والمعلومات.
وفي السياق نفسه، كشفت إنطلاقة الحملة الإعلامية العالمية «حلب تحترق» التي تلازمت مع مبادرة المتمردين إلى قصف المدينة عشوائياً بمئات القذائف، إن جميع خصوم الحكومة السورية، أكاد أن أقول دون استثناء، كذبوا وتواطئوا مع تنظيم القاعدة، جبهة النصرة، واندفعوا إلى تغطية الجرائم التي نجمت عن هذا القصف.
تلزم الإشارة هنا إلى أن منظمة «أطباء بلا حدود» اللاحكومية، كان لها في أغلب الظن ضلع في الجرائم التي وقعت في حلب»!
هنا قاطعته وقلت له:
إن ما يحز في النفس هو أن هذه التطورات توحي بأن البلاد صارت كالرزق السائب. في حلب جيش، تؤيده الولايات المتحدة الاميركية، وتركيا والسعودية، والمنظمات الأوروبية اللاحكومية ويناصره في بلادنا السذج و«اليساريون في الورقة» الإنتهازيون، والزعران، والمضللون الذي أكلوا آلهة التمر ولم يشبعوا، والذين يمشون القهقرى! أما في منطقة الجزيرة فلقد شكلت الولايات المتحدة الأميركية جيشاً «ديمقراطيا سورياً» على شاكلة جيش الكونترا الذي استخدمه الاميركيون في عهد الرئيس ريغان من أجل إفشال الثورة في نيكاراغوا. إنتبه، ديمقراطياً سورياً! كمثل ديمقراطي سعودي، أو قطري صدّق إذا راق هذا لك!
وتابع محدثي موضحاً:
«أعترف بالضد من الكثيرين من أبناء جيلي، وكنا في الماضي، في غالبيتنا ماركسيين ثوريين، باللسان، بأني على يقين من أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد الخير للشعوب، وللسوريين بوجه خاص. لذا لا أجد شخصياً حرجاً في القول أن امريكا تقود مؤامرة ضد سوريا. علماً أن المتآمرين في هذا الزمان ليسوا بحاجة لأن ينشطوا في الخفاء. فهم الخصم والحكم. هم الخير وما عداهم شر مطلق!
إن ما حداني إلى كتابة لك هي في الحقيقة أوجه الشبه، بين الأوضاع في حلب ومنطقة الفرات من جهة، كما استنتجها من وسائل الإعلام، وبين مقترحات تضمنتها مذكرة أعدتها في سنة 1938، الحركة الصهيونية! ما يلي فقرة من فقراتها:
«يوجد توافق في الأوساط الصهيونية الخبيرة في قضايا الشرق، على ان البلقنة كانت خطأ سياسياً. ربما تكون أوجبته في حينه ظروف تصفية ميراث الرجل المريض، وبالتالي لا بد من العودة عنه لاحقاً. وإلا ظهرت من جديد جميع مساوئ الأمبراطورية العثمانية باستثناء الإيجابيات القليلة من وجودها. أما تصويب هذا الخطأ فإنه يتطلب لململة الأجزاء وجعـْلها تدور حول نواة ذات اكتفاء اقتصادي، بحيث يكون المجموع في فلك العالم الغربي».
وتعتبر نفس الأوساط المشار إليها أعلاه، «ان العناصر المكونة لهذه النواة المركزية هي: لبنان المسيحي، فلسطين اليهودية، ومنطقة الجزيرة شرقي الفرات القاحلة حاليا، ولكنها ستكون غنية بعد أن يتم استصلاحها بواسطة اليد العاملة اليهودية الشرق ـ أوروبية، ورؤوس الأموال اليهودية وغير اليهودية» (فقرة مترجمة من مذكرة قدمتها في 16 آذار 1938، بصورة غير رسمية، إلى وزارة الخارجية الفرنسية ـ الشرق العربي ـ هنري لورانس).
أضع هذا بين يدي القارئ. يتوقف بقاء سوريا على السوريين أنفسهم. فالرأي عندي أن الإنسان يسخط على أهل بلاده، أو على جماعة منهم، ولكنه لا ينخرط في جيش وكالة أمنية لمحاربة أهل بلاده بالوكالة عن الأميركيين.
المنشور السابق