دور أميركا أم انسحابها؟!

قلم-وورقة-552x330
كتب/.. علي نصر الله
منذ مدة زمنية غير قصيرة بدأ الحديث رسمياً في الولايات المتحدة عن تحديات جديدة تقتضي منها التوجه بثقلها مُتعدد الأوجه نحو شرق آسيا، حتى أنّ الكثير من مراكز البحث الاستراتيجية الأميركية لم تكتفِ بالحديث عن توجه جديد لسياسة واشنطن في هذا المنحى، بل ذهبت للتنظير في أهمية الانسحاب من الشرق الأوسط في مُقابل التحول لشرق آسيا، ذلك من خلال رؤية تدّعي الواقعية وتُوجب التحرك الذي لا بد منه لمواجهة التنين الصيني الصاعد أبداً وبلا توقف.‏
بصرف النظر عن وجود واقعي لمثل هذا التوجه، ومن كونه يبقى في إطار النظريات أكثر منها أو أقل من تحولها لمُخططات حقيقية وُضعت أو ستُوضع موضع التنفيذ، يرى كثيرون في دوائر صنع القرار الأميركي أنه لا حاجة للانسحاب من الشرق ليتم تحجيم خطر آخر في الشرق، مع التركيز على ملاحظة أنّ الانسحاب سيخلق تهديداً للمصالح الأميركية ولإسرائيل، لا يمكن احتواؤه، وسيخلق فرصاً ذهبية لخصوم آخرين للتمدد، إيران أنموذجاً.‏
وعلى الرغم من أنّ البحث الجدي ما زال جارياً في أميركا، فإنه لم يمنعها من العمل في كل الاتجاهات، وقد اتخذت العديد من الخطوات الاستفزازية هنا وهناك، لكن من دون أن تترك آثاراً واضحة تستجيب لتبديد مخاوفها وهواجسها، ومن دون أن تترك مثل هذه الآثار لدى الطرف المُستهدف، فتكبح تقدماً هنا وتطوراً هناك، وصعوداً متواتراً هنا ومتسارعاً هناك لقوى دولية وإقليمية تُصنفها واشنطن بين الخصوم والأعداء.‏
نجح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومع شروعه مطلع العام القادم للذهاب بما طرح في حملته الانتخابية من أفكار وعناوين ومشروعات ووعود نحو التنفيذ والتطبيق العملي، سَرَت مخاوف لدى آخرين لم تكن لديهم ثمة مخاوف، وبدأ حديث آخر عن انسحاب أميركي من منطقة لم تكن مطروحة من قبل، وبالتالي فإنّ الجديد الذي برز مع وصول ترامب للبيت الأبيض قد يحمل تغييرات ما من أحد حسب لها حساباً أو فكّر بها مُجرد تفكير على أنها مُحتملة أو افتراضية.‏
القارّة العجوز اهتزت، بروكسل ازدحمت، فرنسا وألمانيا بادرتا فوراً، ومحور محاور البحث الأمن والدفاع عن أوروبا إذا ما انسحبت أميركا من الناتو، أو إذا ما ذهبت عملياً لشعار (أميركا أولاً)، ومعلوم أنّ واشنطن هي مُحرك الناتو وخزّانه، وهي من يُوفر له ثلثي نفقاته المالية والعسكرية، فما الذي يحصل فعلياً؟ بركان أم براكين، زلزال أم زلازل، أحدثَها الملياردير المُثير للجدل في أفكاره ومشاريعه؟ الرئيس الجديد للقوة العظمى ربما ينجح بتأدية مهمة القيام برسم دور آخر لشرطي العالم من دون أن يجعله يتقاعد؟!.‏

الكيان الإسرائيلي في قلب الشرق الأوسط، ولذلك لن تنسحب أميركا منه، الغاز والنفط كمصادر للطاقة ما زال لها حاجة بها ولذلك لن تترك المنطقة ذات الموقع والجغرافيا العالمية الأهم، علاوة على ما فيها.‏
أوروبا ذيل تجره أميركا خلفها حيث شاءت مع الناتو، وأسهلُ عليها أن تجعلَه لا يمسح فقط الأرض خلفها بشروط جديدة للبقاء فيه، بل وأن يُزينها، وأما روسيا والصين فهناك صيغة أو أكثر للعمل معهما على قاعدة الشراكة لا الخلافات والصداقة لا العداوة ولو إلى حين، لطالما صارت أميركا مأزومة باندفاعاتها.. بكل هذه المفردات ستنشغل أميركا، ومباشرة ستكون بصدد إعادة إنتاج الدور لا الانسحاب.‏

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.